الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ} إن كان صادقًا {أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ} قرأ الحسن ويعقوب وأبو حاتم وحفص {أَسْوِرَةٌ} على جمع السوار، وقرأ أبي: أساور، وقرأ ابن مسعود: أساوير، وقرأ العامة: أساورة بالألف على جمع الأسورة وهو جمع الجمع.وقال أبو عمرو بن العلاء: واحد الأساورة والأساور والأساوير أساور، وهي لغة في السوار. قال مجاهد: كانوا إذا استودوا رجلًا سوّروه بسوار، وطوّقوه بطوق من ذهب يكون ذلك دلالة لسيادته وعلامة لريّاسته. فقال فرعون: هلا ألقى ربّ موسى أسورة من ذهب.{أَوْ جَاءَ مَعَهُ الملائكة مُقْتَرِنِينَ} متابعين يقارن بعضهم بعضًا يمشون معه شاهدين له.قال الله تعالى: {فاستخف قَوْمَهُ} القبط وجدهم جهالًا.{فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا فَاسِقِينَ}.أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه، حدثنا ابن مالك، حدثنا ابن حنبل، حدثنا أبي، حدثنا الوليد بن مسلم، قال: قال الضحاك بن عبد الرحيم بن أبى حوشب: سمعت بلال بن سعد يقول: قال أبو الدرداء: لو كانت الدّنيا تزن عند الله جناح ذباب ما سقي فرِعون منها شرابًا.{فَلَمَّآ آسَفُونَا} أغضبونا، وقال الحسين بن الفضل: خالفونا {انتقمنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا} قرأ علي وابن مسعود بضم السين وفتح اللام، وقال المؤرخ والنضر بن شميل: هي جمع سلفة، مثل طرقة وطرق، وغرفة وغرف، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي بضم السين واللام، قال الفراء: هو جمع سليف، وحكي عن القاسم بن معين إنّه سمع العرب تقول: مضى سليف من الناس، وقال أبو حاتم: سَلف وسُلف واحد، مثل خَشَب وخُشُب، وثَمَر وثُمُر وقرأ الباقون فتح السين واللام على جمع السالف مثل حارس وحرس، وراصد ورّصد، وهم جميعًا: الماضون المتقدمون من الأمم.{وَمَثَلًا} عبرة.{لِّلآخِرِينَ} لمن يجيء بعدهم، قال المفسرون: سلفًا لكفّار هذه الأمة إلى النّار. اهـ.
.قال الزمخشري: سورة الزخرف مكية. وقال مقاتل: إلا قوله: {وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا}، وهي تسع وثمانون آية، نزلت بعد الشورى.بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ..[سورة الزخرف: الآيات 1- 4]: {حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْناهُ قرآنا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)}.أقسم بالكتاب المبين وهو القرآن وجعل قوله: {إِنَّا جَعَلْناهُ قرآنا عَرَبِيًّا} جوابا للقسم.وهو من الأيمان الحسنة البديعة، لتناسب القسم والمقسم عليه، وكونهما من واد واحد. ونظيره قول أبى تمام:{الْمُبِينِ} البين للذين أنزل عليهم، لأنه بلغتهم وأساليبهم. وقيل: الواضح للمتدبرين. وقيل {الْمُبِينِ} الذي أبان طرق الهدى من طرق الضلالة، وأبان ما تحتاج إليه الأمة في أبواب الديانة {جَعَلْناهُ} بمعنى صيرناه معدّى إلى مفعولين. أو بمعنى خلقناه معدّى إلى واحد، كقوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ}.{وقرآنا عَرَبِيًّا} حال. ولعلّ: مستعار لمعنى الإرادة، لتلاحظ معناها ومعنى الترجي، أى: خلقناه عربيا غير عجمى: إرادة أن تعقله العرب، ولئلا يقولوا لولا فصلت آياته، وقرئ: {أمّ الكتاب} بالكسر وهو اللوح، كقوله تعالى: {بَلْ هُوَ قرآن مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} سمى بأم الكتاب، لأنه الأصل الذي أثبتت فيه الكتب منه تنقل وتستنسخ. على رفيع الشأن في الكتب، لكونه معجزا من بينها حَكِيمٌ ذو حكمة بالغة، أى: منزلته عندنا منزلة كتاب هما صفتاه، وهو مثبت في أم الكتاب هكذا. .[سورة الزخرف: آية 5]: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)}.{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} بمعنى: أفننحى عنكم الذكر ونذوده عنكم على سبيل المجاز، من قولهم: ضرب الغرائب عن الحوض. ومنه قول الحجاج: ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل. وقال طرفة:والفاء للعطف على محذوف، تقديره: أنهملكم فنضرب عنكم الذكر، إنكارا لأن يكون الأمر على خلاف ما قدّم من إنزاله الكتاب. وخلقه قرآنا عربيا، ليعقلوه ويعملوا بمواجبه. وصفحا على وجهين. إما مصدر من صفح عنه: إذا أعرض، منتصب على أنه مفعول له، على معنى:أفنعزل عنكم إنزال القرآن وإلزام الحجة به إعراضا عنكم. وإمّا بمعنى الجانب من قولهم:نظر إليه بصفح وجهه وصفح وجهه، على معنى: أفننحيه عنكم جانبا، فينتصب على الظرف كما تقول: ضعه جانبا، وامش جانبا. وتعضده قراءة من قرأ: {صفحا} بالضم. وفي هذه القراءة وجه آخر: وهو أن يكون تخفيف صفح جمع صفوح، وينتصب على الحال، أى: صافحين معرضين {أَنْ كُنْتُمْ} أى: لأن كنتم. وقرئ: {إن كنتم}، {وإذ كنتم}. فإن قلت: كيف استقام معنى إن الشرطية، وقد كانوا مسرفين على البتّ؟ قلت: هو من الشرط الذي ذكرت أنه يصدر عن المدل بصحة الأمر، المتحقق لثبوته، كما يقول الأجير: إن كنت عملت لك فوفني حقي، وهو عالم بذلك، ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق: فعل من له شك في الاستحقاق، مع وضوحه استجهالا له. .[سورة الزخرف: الآيات 6- 8]: {وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (7) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)}.{وَما يَأْتِيهِمْ} حكاية حال ماضية مستمرة، أى: كانوا على ذلك. وهذه تسلية لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن استهزاء قومه. الضمير في {أَشَدَّ مِنْهُمْ} للقوم المسرفين، لأنه صرف الخطاب عنهم إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يخبره عنهم {وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ} أى سلف في القرآن في غير موضع منه ذكر قصتهم وحالهم العجيبة التي حقها أن تسير مسير المثل، وهذا وعد لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ووعيد لهم..[سورة الزخرف: الآيات 9- 11]: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقولنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (11)}.فإن قلت: قوله: {لَيَقولنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} وما سرد من الأوصاف عقيبه إن كان من قولهم، فما تصنع بقوله: {فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذلِكَ تُخْرَجُونَ} وإن كان من قول اللّه، فما وجهه؟ قلت: هو من قول اللّه لا من قولهم. ومعنى قوله: {لَيَقولنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} الذي من صفته كيت وكيت، لينسبنّ خلقها إلى الذي هذه أوصافه وليسندنه إليه. {بِقَدَرٍ} بمقدار يسلم معه البلاد والعباد، ولم يكن طوفانا..[سورة الزخرف: الآيات 12- 14]: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقولوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (14)}.و{الْأَزْواجَ} الأصناف {ما تَرْكَبُونَ} أى تركبونه. فإن قلت: يقال: ركبوا الأنعام وركبوا في الفلك. وقد ذكر الجنسين فكيف قال ما تركبونه؟ قلت: غلب المتعدّى بغير واسطة، لقوّته على المتعدّى بواسطة، فقيل: تركبونه {عَلى ظُهُورِهِ} على ظهور ما تركبون وهو الفلك والأنعام. ومعنى ذكر نعمة اللّه عليهم: أن يذكروها في قلوبهم معترفين بها مستعظمين لها، ثم يحمدوا عليها بألسنتهم، وهو ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كان إذا وضع رجله في الركاب قال: بسم اللّه. فإذا استوى على الدابة قال: الحمد للّه على كل حال، {سبحان الذي سخر لنا هذا} إلى قوله: {لمنقلبون} وكبر ثلاثا وهلل ثلاثا. وقالوا: إذا ركب في السفينة قال: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}» وعن الحسن بن على رضى اللّه عنهما أنه رأى رجلا يركب دابة فقال: {سبحان الذي سخر لنا هذا}. فقال: أبهذا أمرتم؟ فقال: وبم أمرنا؟ قال: أن تذكروا نعمة ربكم: كان قد أغفل التحميد فنبهه عليه. وهذا من حسن مراعاتهم لآداب اللّه ومحافظتهم على دقيقها وجليلها. جعلنا اللّه من المقتدين بهم، والسائرين بسيرتهم، فما أحسن بالعاقل النظر في لطائف الصناعات، فكيف بالنظر في لطائف الديانات؟ {مُقْرِنِينَ} مطيقين. يقال: أقرن الشيء، إذا أطاقه. قال ابن هرمة:وحقيقة (أقرنه): وجده قرينته وما يقرن به، لأنّ الصعب لا يكون قرينة للضعيف. ألا ترى إلى قولهم في الضعيف: لا يقرن به الصعبة. وقرئ: {مقرنين}، والمعنى واحد. فإن قلت: كيف اتصل بذلك قوله: {وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ} قلت: كم من راكب دابة عثرت به أو شمست أو تقحمت أو طاح من ظهرها فهلك، وكم من راكبين في سفينة انكسرت بهم فغرقوا، فلما كان الركوب مباشرة أمر مخطر، واتصالا بسبب من أسباب التلف: كان من حق الراكب وقد اتصل بسبب من أسباب التلف أن لا ينسى عند اتصاله به يومه، وأنه هالك لا محالة فمنقلب إلى اللّه غير منفلت من قضائه، ولا يدع ذكر ذلك بقلبه ولسانه حتى يكون مستعد اللقاء اللّه بإصلاحه من نفسه، والحذر من أن يكون ركوبه ذلك من أسباب موته في علم اللّه وهو غافل عنه، ويستعيذ باللّه من مقام من يقول لقرنائه: تعالوا نتنزه على الخيل أو في بعض الزوارق، فيركبون حاملين مع أنفسهم أوانى الخمر والمعازف، فلا يزالون يسقون حتى تميل طلاهم وهم على ظهور الدواب، أو في بطون السفن وهي تجرى بهم، لا يذكرون إلا الشيطان، ولا يمتثلون إلا أوامره. وقد بلغني أنّ بعض السلاطين ركب وهو يشرب من بلد إلى بلد بينهما مسيرة شهر، فلم يصح إلا بعد ما اطمأنت به الدار، فلم يشعر بمسيره ولا أحس به، فكم بين فعل أولئك الراكبين وبين ما أمره اللّه به في هذه الآية. وقيل: يذكرون عند الركوب ركوب الجنازة. .[سورة الزخرف: الآيات 15- 18]: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)}.{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءًا} متصل بقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} أى: ولئن سألتهم عن خالق السماوات والأرض ليعترفن به، وقد جعلوا له مع ذلك الاعتراف من عباده جزاء فوصفوه بصفات المخلوقين. ومعنى {مِنْ عِبادِهِ جُزْءًا} أن قالوا الملائكة بنات اللّه، فجعلوهم جزءا له وبعضا منه، كما يكون الولد بضعة من والده وجزءا له. ومن بدع التفاسير: تفسير الجزء بالإناث، وادعاء أنّ الجزء في لغة العرب: اسم للإناث، وما هو إلا كذب على العرب، ووضع مستحدث منحول، ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه: أجزأت المرأة، ثم صنعوا بيتا وبيتا:وقرئ: {جزؤا}، بضمتين {لَكَفُورٌ مُبِينٌ} لجحود للنعمة ظاهر جحوده، لأنّ نسبة الولد إليه كفر، والكفر أصل الكفران كله {أَمِ اتَّخَذَ} بل اتخذ، والهمزة للإنكار، تجهيلا لهم وتعجيبا من شأنهم، حيث لم يرضوا بأن جعلوا للّه من عباده جزءا، حتى جعلوا ذلك الجزء شر الجزأين: وهو الإناث دون الذكور، على أنهم أنفر خلق اللّه عن الإناث وأمقتهم لهنّ، ولقد بلغ بهم المقت إلى أن وأدوهنّ، كأنه قيل: هبوا أنّ إضافة اتخاذ الولد إليه جائزة فرضا وتمثيلا، أما تستحيون من الشطط في القسمة؟ ومن ادعائكم أنه آثركم على نفسه بخير الجزأين وأعلاهما وترك له شرهما وأدناهما؟ وتنكير {بَناتٍ} وتعريف {بِالْبَنِينَ} وتقديمهنّ في الذكر عليهم لما ذكرت في قوله تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ}.{بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا} بالجنس الذي جعله له مثلا، أى: شبها لأنه إذا جعل الملائكة جزءا للّه وبعضا منه، فقد جعله من جنسه ومماثلا له، لأن الولد لا يكون إلا من جنس الوالد، يعنى: أنهم نسبوا إليه هذا الجنس. ومن حالهم أن أحدهم إذا قيل له: قد ولدت لك بنت اغتم واربدّ وجهه غيظا وتأسفا وهو مملوء من الكرب. وعن بعض العرب: أن امرأته وضعت أنثى، فهجر البيت الذي فيه المرأة، فقالت: والظلول بمعنى الصيرورة، كما يستعمل أكثر الأفعال الناقصة بمعناها. وقرئ: {مسودّ} و{مسوادّ}، على أن في {ظَلَّ} ضمير المبشر، و{وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} جملة واقعة موقع الخبر، ثم قال: أو يجعل للرحمن من الولد من هذه الصفة المذمومة صفته. وهو أنه {يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ} أى يتربى في الزبنة والنعمة، وهو إذا احتاج إلى مجاثاة الخصوم ومجاراة الرجال: كان غير مبين، ليس عنده بيان، ولا يأتى ببرهان يحتج به من يخاصمه، وذلك لضعف عقول النساء ونقصانهنّ عن فطرة الرجال، يقال: قلما تكلمت امرأة فأرادت أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها.وفيه. أنه جعل النشء في الزينة والنعومة من المعايب والمذام، وأنه من صفة ربات الحجال، فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويأنف منه، ويربأ بنفسه عنه، ويعيش كما قال عمر رضى للّه عنه:اخشوشنوا واخشوشبوا وتمعددوا. وإن أراد أن يزين نفسه زينها من باطن بلباس التقوى، وقرئ: {ينشأ}، و{ينشأ}، و{يناشأ}. ونظير المناشأة بمعنى الإنشاء: المغالاة بمعنى الإغلاء. .[سورة الزخرف: آية 19]: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (19)}.قد جمعوا في كفرة ثلاث كفرات. وذلك أنهم نسبوا إلى اللّه الولد، ونسبوا إليه أخس النوعين وجعلوه من الملائكة الذين هم أكرم عباد اللّه على اللّه، فاستخفوا بهم واحتقروهم.وقرئ: {عباد الرحمن}، و{عبيد الرحمن}، و{عبد الرحمن}، وهو مثل لزلفاهم واختصاصهم. و{إناثا}، وأنثا: جمع الجمع. ومعنى جعلوا: سموا وقالوا إنهم إناث. وقرئ: {أشهدوا} و{أشهدوا}، بهمزتين مفتوحة ومضمومة. و{آأشهدوا} بألف بينهما، وهذا تهكم بهم، بمعنى أنهم يقولون ذلك من غير أن يستند قولهم إلى علم، فإن اللّه لم يضطرهم إلى علم ذلك، ولا تطرّقوا إليه باستدلال، ولا أحاطوا به عن خبر يوجب العلم، فلم يبق إلا أن يشاهدوا خلقهم، فأخبروا عن هذه المشاهدة {سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ} التي شهدوا بها على الملائكة من أنوثتهم {وَيُسْئَلُونَ} وهذا وعيد.
|